العنف أسهل في سن المراهقة


04 ايار 2007  -   جوزف الخوري

"من قتلت؟"
"قتلت أحد الارساليين، بإحراقه بواسطة سبعة دواليب شاحنات مع خمسة لترات من الوقود".
"لماذا قتلته؟" أضافت الصحافية،
أجابها: "لأن رئيسي طلب مني ذلك".
"بماذا أحسست عندما قتلته؟" سألته مستطردة.
أجابها: "لا شيء، تماما" كما أحسّ الآن وأنا أتكلّم معك، وإذا طلب مني أن أقتل مرة أخرى،  فأنا مستعد ولن أشعر بأي ندم أو وخز ضمير".


هذا كان مقطع من برنامج وثائقي عن العنف والجريمة في الأحياء الفقيرة في البرازيل، والذي كان دافعاً لي كي أكتب هذه الأفكار لعلّها تصل إلى المدارس، الأهل، أولياء الأمر والمؤسسات المعنيّة.
يقول منفّذ الفيلم الوثائقي بأن معظم المجرمين يبدءون انحرافهم نحو العنف وهم في سن صغيرة، لأنه من السهل للمراهق أن يكون عنيفاً. وفي التحقيق ظهر هذا الشاب الذي تفّذ أول عمليّة قتل في حياته وكان في سن الحادية عشر.
صاعق ما شاهدته وما سمعته، ليس فقط لأنه عنيف ولا يمسّ إلى الإنسانية بشيء بل لأنني أستشعر به وأراه كل يوم هنا في بلدي من دون الذهاب إلى البرازيل.

فما نشاهده في المدارس حالياً من حقد أعمى وتتطرّف بين الشباب من 10 الى 17 عام يثبت نظرية منفّذ هذا الوثائقي وهي بأن العنف أسهل بهذا العمر.
فتقديس القائد ذات السيرة الميليشيوية والتاريخ المليء بالقتل والعنف بين هؤلاء، يجعلهم يحذون حذوه ومن دون رفّة جفن.
لم أصدّق عندما سمعت بعضاً من تلاميذ الحيّ يتكلّمون عن الحرب وكأنها لا بدّ آتية وكيف أنّهم مستعدّون لحمل السلاح والموت دفاعاً عن منطقتهم وقائدهم "القديس"، وكيف أن الحقد يتصاعد من عيونهم كدخان قطار زمن الفحم الحجري.

كثيف الحقد الذي رأيته وكريه جداً لأنه ليس موجّهاً إلى دولة أخرى محتلّة كانت أم غاصبة، وإنما أكثريته موجّه إلى إخوتهم في الوطن أولاً من نفس الطائفة وثانياً من طوائف أخرى.
مخيف كيف أنه سقط سهواً أو عن قصد، عدم تحميل البرنامج التربوي في لبنان خلال أعوام ما بعد الطائف ولا فصلاً واحداً أو حتى حصة واحدة توجز الحرب اللبنانية بين 1975 و1990 أقلّه.
وكيف أن لا أحد تجرأ وأرشد هؤلاء الشبّان بأن ليس من قائد ميليشيا في التاريخ تمكّن من الوصول إلى مرتبة القديسين والمعصومين وما شابه.

فزعيم الميليشيا أياً يكن، ليس إلا بمصّاص دماء يقتات من تغليب الغريزة على العقل ويسكر من تحريض الأخ على أخيه ويسلطن على صوت الثكلى والأرملة ولا يحيا إلا بموت شبان هذا البلد وليس بمن استشهد دفاعاً عن الحدود، بل يحيا بموت الذين سقطوا في الداخل اقتتالاً فيما بينهم للدفاع عنه هو فقط.

حرام أن نترك هذا الجيل ضحية رؤساء عصابات كما في كولومبيا وأميركا اللاتينية عامة.

حرام أن نسمع تلميذ في المرحلة الثانوية يقول بأنه مستعد أن يحمل السلاح ليدافع عن منطقته من الهجمة القادمة من أبناء منطقته أولاً وثانياً من أبناء منطقة أخرى في بلده ووطنه.

حرام علينا نحن الذين سبقناهم وعشنا الحرب أن نهين دماغنا لنعود ونختار من هجّر، خطف، قتل ونهب ليكون زعيماً.

حرام لأننا لم نكتب شهادة حياة لهذا الجيل من خلال تجربتنا نحن جيل الحرب وما عانيناه من هؤلاء "القادة" المظفّرين والذين ما برحوا يغيّرون جلدهم ومواقفهم تبعاً لمصالحهم الفرديّة لا أكثر ولا أقل.

وآخر مثالين على ذلك هما: أولاً، الحلف الرباعي وكيف استغلّه زعيم ميليشيا سابق ليضمن أكثرية ما لبثت إن طعنت ناخبيها في ظهرهم.

ثانيا" : قانون الانتخاب على أساس القضاء أو الدائرة الصغرى والذي كان مطلب زعيم ميليشيوي آخر بحجة أنه يمثل أبناء طائفته خير تمثيل، وها هو الآن يسوّق ضدّه بعد أن اكتشف أن مصالحه لن تتأمّن في القضاء.

لا بدّ لشباب اليوم أن يطّلع وبموضوعية جدّية، حازمة وإنما ليست حاقدة، على تاريخ هؤلاء الأمراء في حرب لبنان.

ومن ثم نسأل رأيه ونستفتيه بخياراته.
حان الوقت للصحافة أن تقول كلمتها وليست كلمة من يموّلها.
إن الأحرار كثر في بلدي وأستشهد بكلمة أحدهم عندما قال لنا بأن معركة التحرير قد ربحناها فاستعدوا الآن للمعركة الأصعب وهي معركة التحرّر.

Comments

Popular posts from this blog

كل الحق عالـ 7-1 ، وصلت إلينا ونقشت!

فخامة الرئيس غبطة البطريرك

عن المنع والمقاطعة