ما قلّ ودلّ عن تظاهرة فيلم "المسيح" الممنوع عرضه في لبنان

My article was published as a free opinion at:
http://www.elnashra.com on the 24/08/2010

24/08/2010   -  جوزف الخوري

ما كنت لأكتب هذه الكلمات لو أن الذي حصل لم يستفزّني إلى درجة الاشمئزاز.
لما كنت بوارد التعليق على هذا المشهد العنصري، الغرائزي والمتخلّف، لو لم أسمع في صالونات هؤلاء، انتقادات إلى حدّ الهجاء أحياناً للدين الآخر وإخوتنا في الوطن.
استفزّني مشهد هؤلاء القوم رافعين المسابح والأناجيل في المركز الكاثوليكي للأعلام ويتلون الصلاة من دون تأمل وبحالة هذيان غرائزية وعنصرية، حتى أن معظمهم لا يدري لماذا هو متواجد هناك أصلاً؟!
استفزّني وجعلني أتذكّر مشهد الخامس من شباط 2006 حيث حصل هجوم عنصري وغرائزي على أحياء وكنائس الأشرفية، وتذكّرت كذلك مشهد الدراجات النارية والعصي تحضيراً لاقتلاع شربل خليل لأنه قلّد في إحدى سكتشاته السيد نصرالله الذي نحبّه بكل جوارحنا.
نعم إنها الموزاييك اللبنانية الفئوية والأهم في ذلك المشهد، بأنه جاء ممن كانوا يوهمون بعض المواطنين (المراهقين خاصة)، بأنهم أكثر حضارة من غيرهم في هذا الوطن ويعقدون جلسات حوار لتقييم الدين الآخر وكيف به لا يتأقلم مع متطلبات العصر من موسيقى، مسرح وفنون جميلة وكأنهم الوحيدين الذين يملكون هذه النعمة التي أسموها "حب الحياة"...
هؤلاء الذين حملوا المسابح العريضة جداً والأناجيل ونزلوا إلى مركز اجتماع بعض رجال الدين الذين ينشّطون الغرائز بالتعاون مع بعض من الميليشيا السابقة وقد تكون لاحقة إذا استمرّ هذا الوضع، لا يدرون ماذا يفعلون ولماذا نزلوا أصلاً؟

أما السؤال المطروح: "هل بإمكان فيلم سينمائي، كتاب، قصة أم صورة، أن يشوّه دين ويبدّل في معتقد عمره 2000 عام"؟
طبعاً لا.
فرجل الدين الغيور الذي دعا إلى هذه الوليمة الغرائزية يعلم ذلك، غير أن طموحه "السياسي" على ما يبدو لا يتحقّف الا باستثارة هكذا شعائر.
ألا يعلم سيّدنا بأن العالم مليء بما هو نقيض للعقيدة المسيحية وبمتناول جميع الناس خاصة مع وجود شبكة الانترنت؟ طبعاً يعلم.
ألم ير سيّدنا صور ربّنا يسوع المسيح في واجهات أمستردام، يدخّن حشيشة؟ الم ير في نفس هذه الواجهات صور البابا يوحنا بولس الثاني والذي قد يصبح قديساً عن قريب، في ملابس فتاة هوى؟ وألم يقرأ الأناجيل المنحولة والمحرّفة؟
طبعاً أنه يعلم ويرى ويقرأ كل ذلك، غير أن التظاهر ضده في الإعلام اللبناني لا يقدّم ولا يؤخّر في طموحه السياسي!
كما أنه ومن دون شك، قد قرأ كتاب الأب الدكتور يوسف يمّين عن مكان ولادة المسيح في لبنان وليس في اليهودية، الذي هو أكثر جديةً وواقعيّةً، وموثّق بخرائط وأدلّة تاريخيّة وجغرافية ، ولم يتظاهر لا معه ولا ضده!
أقول هذا لأثبت بأن العقيدة الدينية الصحيحة لا تتأثر بفيلم سينمائي، لا بمقال ولا بصورة مركّبة ومزيّفة.
كما أنها على ما يبدو لا تتأثر حتى بوثائق تاريخية قد تكون صحيحة في المنطق والعقل المتجرّد كما هي مذكورة في كتاب الأب يمين!...

تنقل إحدى القصص عن إمبراطور الصين في أوائل أيام التبشير بالمسيحية، بأنه قابل زعامات صينية معترضة على التبشير بالمسيحية وتطلب منه التدخل لمنعه حتى ولو استعمل العنف.
فقبل إبداء رأيه سألهم: "بماذا يبشرون هؤلاء وعن من يتكلّمون؟"
فأجابوه بأنهم يتكلّمون عن اله يدعى يسوع المسيح وقد صلب ومات وقام من الموت فداء للإنسانية.
عاد وسألهم: "كم عمره هذا الدين الذي يبشّرون به"؟
فأجابوه: حوالي 300 عام ( في ذلك الزمن)
فقال لهم الإمبراطور: "دعوهم وشأنهم، فان ديننا (البوذي) عمره 6000 عام ولن يتأثر بدين عمره 300 عام".
وهكذا كان، فان الدين الأكثري في الصين لا يزال بوذياً حتى يومنا هذا...

فلماذا إذا هذا الصراخ وهذه الحركات المتخلّفة لأناس بسيطين يتحرّكون بأمر غرائزي مثلهم مثل بقية المواطنين من الدين الآخر والذين تحرّكوا وبنفس الدافع الديني، العنصري والغرائزي في الأشرفية وفي قضية بسمات وطن؟

الجواب هو في المثل الشعبي القائل: "خذوا أسرارهم من صغارهم" ولذلك أعتقد بأن الوحيد الذي عبّر بصدق عن موقف هذه الحركة المتخلّفة، كان النائب نديم الجميّل. فهو قال ما يختلج صدره وصدر بعض الإعلام الكاثوليكي  اللبناني الحالي، عن أن الدولة اللبنانية هي التي تمنح رخصة للفبلم وليست طهران من يمنحها.

قالها من دون أن يدري بأنه لفظ مكنونات بعض من الاكليروس ومن يقف وراءه من الميليشيا المحرّضة لتلك الثقافة العنصرية، وشكراً لنديم الجميّل لأن في قلّة نضوجه السياسي فضح اللعبة وساعد الفريق الآخر على سحب فتيل التفجير الذي لطالما سعت إليه بعض الجهات المدعومة من هذا الاكليروس للأسف!

Comments

Popular posts from this blog

كل الحق عالـ 7-1 ، وصلت إلينا ونقشت!

فخامة الرئيس غبطة البطريرك

عن المنع والمقاطعة