هل تصلح الديموقراطية في وطني؟


20 كانون الاول 2005   -  جوزف الخوري

جلست أنا وصديق العمر طبيب الاسنان نحاول ايجاد تفسير منطقي للقتل المروّع الذي تعرّض له الشهيد النائب والصحافي الاستاذ جبران التويني وطبعاً، طرحنا نفس السؤال حول من سبقه في رحلة الاستشهاد ومحاولات الاغتيال…
قال لي صديقي: هل صحيح أن لبنان غنيّ بتنوّعه، أم ان تنوّعه هو لعنة عليه؟
ثم أضاف قائلا": كيف يمكن بأن نكون أغنياء بالتنوّع ونحن لا نعرف دين الآخر ولا نريد أن نعرف الاّ ما علّمونا اياه امراء الحرب والميليشيات عن دين الآخر؟
وهنا لا حاجة لأن أشرح وصف ذلك لكثرة ما فيه من تشويه وسطحية وفقر عقل. فكيف نكون أغنياء اذاً بهذا التنوع؟
وقفت جامداً، صافناً في ما كان صديقي طبيب الأسنان يعبّر عنه! ثم ختم حديثه بكثير من اليأس والمرارة اذ قال لي: كيف يمكن للديموقراطية أن تكون حلاً في مجتمع تتفاوت فيه المعرفة من صفر الى 100 فوق الصفر.
كيف يمكن للمحبة أن تعمّ بين المواطنين ومنهم كمّ كبير عديم المعرفة؟
فبرأي صديقي الطبيب، لا يمكن أن نحبّ من دون معرفة كما لا يمكن أن نساوي صوت اللا معرفة بصوت العالم والعارف. وهنا استنتج قائلاً: لا يمكن تطبيق الديموقراطية في لبنان…
عدّت الى منزلي وفكرة صديقي تدور وتدور في رأسي، خاصّة وأنني ما برحت أطرح على نفسي تقريباً ما تفوّه به صديقي منذ الانتخابات النيابية الاخيرة . أي كيف يمكن للتساوي بين صوت من كدّ وجهد وصبر وتثقّف وتدرّج على سلّم المعرفة وبين صوت قادم من الجهل والأمية ليدلي به في صندوق اقتراع؟
جلست حزيناً ومتألماً أشاهد التلفاز في يوم المأتم الكبير، واذا بالأستاذ غسان التو يني وتحت ألم فقدان آخر عناقيده، يدعو لدفن الحقد ويتكلم بلغة العارف والعالم والمثقف والفيلسوف والقديس، حتى أنني وجدت نفسي قزماً أمام هذا العملاق.
وشعرت بالذنب حين فكّرت بأن صوتي يساوي صوت هذه الصخرة النادرة في و طن تتناتشه الأنانيات والمصالح الشخصيّة الضيّقة  ومن دون أية رؤية لمصير الجمهورية كما يقول النائب العماد ميشال عون.
مكثت على هذه الحال لأكثر من يومين أحاول أن أجد حلاً لهذه المعضلة.
فكيف يمكن أن تكون الديموقراطية اساساً لعمل الدو لة ولكن مع الأخذ بالاعتبار قيمة العلم والمعرفة لكل صوت في صندوق الاقتراع. وكيف يمكن تحقيق ذ لك من دون ان أتّهم بالتمييزالعنصري أو الثقافي أو العرقي أو ما شابه من توصيفات؟….
جاءني الجواب كالوحي ولست أدري ما اذا كان قانونياً أم قابلاً ليصبح كذلك في الاصول والادبيات الاشتراعية؟ الا أنني أحببت أن أنشره للعامة، لعلّ أحداً من أصحاب الحقوق الاشتراعية يقرأه ويصبح موضوعاً للنقاش بموازاة النقاشات الحاصلة في موضوع قانون جديد للانتخاب.
فلأن لبنان وطن لديموقراطية أسميناها توافقية (اي ليست عددية)، فاذا نكون قد أجزنا لأنفسنا تعديلاً على مفهوم الديموقراطية المتعارف عليه في الدول الغربية.
ولأن لبنان وطن صغير في حجمه الجغرافي وقليل العدد في حجمه السكاني، أقترح التعد يل الثاني التالي على الديموفراطية اللبنانية:
قبل الانتخاب، يجب على كل مواطن له حق الاقتراع بتعبئة اضبارة مرفقة بمستندات عن تحصيله العلمي والثقافي وعن كتاباته وانجازاته ومساهماته في الشأن العام.
فتدرس لجنة خاصة هذه الاضبارة قبل اعطائه بطاقة الانتخاب.
على بطاقة الانتخاب توضع علامة بين واحد واثنان.
فأقلّه واحد اذا كان صاحب الاضبارة أمّياً مثلاً.
و 1.1 اذا كان يحمل شهادة متوسطية و 1.2 للشهادة الثانوية حتي الوصول الى صوتين كحد أقصى للمواطن الذي اضافة الى الشهادات الجامعية، لديه مؤلفات ومساهمات بالشأن العام.
فبالتالي يصبح الشخص المنتخب على اساس عدد النقاط التي نالها وليس بعدد الأصوات.
فنكون قد طبّقنا الديموقراطية من حيث أن لكل مواطن حق الاختيار والا قتراع وأنصفنا من جهة أخرى المواطن الذي كدّ وجهد وعمل وضحّى في حياته.
فكما في أي عمل نتقدّم اليه، علينا أن نبرز سيرة ذات ية تتناسب والمركز الشاغر، فالأمر نفسه يطبّق هنا حين نقدم للحصول على بطاقة انتخابية.
والآهم من ذلك، هو أن البطاقة الانتخابية تصبح قابلة للترقية في الانتخابات التالية . فصاحبها قد يكون أضاف شهادة أو انجازاً خلال السنوات التي تفصل الانتخاب عن الآخر.
وبالتالي نكون قد أوجدنا حافزاً للمواطن بمتابعة تحصيله العلمي والثقافي ونشاطه في الشأن العام.
حينها سوف تعمّ المعرفة، والمعرفة في التنوع تصبح غنى والغنى في المعرفة ينتج محبة.
آمل بأن لا أتهم بالتمييز أو العنصريّة من قبل بعض قارئي هذا الرأي الحر كما آمل بأن يجد قارئاً بين حضرات النواب قد يجد فيه مادة لعرضه بشكل جدّي على لجنة قانون الانتخاب الجديد.
رحم الله الشهيد جبران التويني ورفاقه ومن سبقهم وأطال الله بعمر غسان التويني ليبقى لنا ملهما" وصخرةً نتكىء عليها في كل مرة يضربنا اليأس في بلدنا العزيز لبنان.

Comments

Popular posts from this blog

كل الحق عالـ 7-1 ، وصلت إلينا ونقشت!

فخامة الرئيس غبطة البطريرك

عن المنع والمقاطعة